أدب السيرة الذاتية

إن أدب السيرة الذاتية من الأنواع القديمة للأدب التي مرت بالعديد من التغييرات عبر العصور، وبالتالي لا يمكننا اعتباره أحد الفنون الحديثة بالأدب بالرغم من تطوره كثيراً بالعصور الحديثة.

علماً أن هذا النوع من الكتابة ظهر بأنواع مختلفة ومنها كتابة السير التاريخية، أو الاعترافات، أو المذكرات، أو اليوميات.

مفهوم أدب السيرة الذاتية:

إن السيرة الذاتية اصطلاحاً تعني سرد الفرد لقصة حياته الخاصة، بحيث تعرض السيرة قصة حياة صاحبها، الذي يستذكر ذكرياته السابقة ويعمل على تدوينها.

قد يعرض المؤلف في أدب السيرة الذاتية تفاصيل حياته بالكامل، كما أنه قد يعرض جزء أو أجزاء محددة منها، أو يعمل على عرض اعترافاته، أو يومياته، أو بعض مذكراته.

وبالتالي فإن هذا النوع من الأدب العربي يتناول فيه المؤلف عادةً سيرته الشخصية، وإن كان العصر الحديث شهد الكثير من المشاهير يتجهون إلى الكتاب المتخصصين، ويقومون بمنحهم المعلومات التي تسمح بكتابة كتاب أدبي حول سيرتهم الذاتية وتاريخهم الخاص.

تطور أدب السيرة الذاتية في الأدب العربي:

ظهرت السيرة الذاتية في الأدب العربي بالعصر الجاهلي من خلال الشعر الغنائي، وبعد أن جاء الدين الإسلامي الحنيف أصبحت هناك حاجة أكبر لأن يتم تدوين الوقائع التاريخية والمواقف الخاصة بكل شخصية، وبالتالي كانت الحاجة سبباً في تطور أدب السيرة الذاتية.

ومع مرور الزمن تطور هذا النوع من الأدب العربي، وهو ما ظهر في بعض الكتب مثل كتاب “ترجمة ابن سينا”، الذي كان من ضمن محتوياته وصف حياة العالم ابن سينا وعرض العديد من أخباره.

وبشكل عام فقد عاش أدب السيرة الذاتية بالعصور القديمة بفترات انتقالية متعاقبة مع مرور الزمن.

أما في العصر الحديث فقد شهد أدب السيرة الذاتية تطوراً كبيراً، حتى تبلور بشكله المعروف حالياً مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وهو ما ساهم حينها بإظهار صفات عدد من أبرز الشخصيات القومية بالأدب العربي.

وقد نقل هذا النوع الأدبي ما يعيشه الإنسان العربي من أزمات، وذلك من خلال إصدارات الكتّاب والأدباء عن حياتهم الشخصية والنفسية والأدبية، وما تناولوه من نتاجهم الفكري، وهذا ما ساهم في وصول أدب السيرة الذاتية إلى قمته عبر العصور.

ويبقى أهم كتب السيرة الذاتية بالأدب العربي المعاصر هو كتاب طه حسين “الأيام”، الذي تناول فيه الأديب الكبير حياته الشخصية بفترة الطفولة والشباب، وعرض أبرز الصعوبات التي اعترضت طريقه والمعاناة التي عاشها.

أبرز حوافز كتابة السيرة الذاتية في الأدب العربي:

تتعدد الأمور التي تدفع الأشخاص لكتابة السيرة الذاتية وحسب شروط معينة، ومن أهم هذه الدوافع نذكر ما يلي:

• الدافع التبريري:

ومن خلاله يعمل الكاتب على توضيح مجموعة أحداث ومواقف حدثت معه في حياته ولم تكن ظاهرة لعموم الناس، فيعمل المؤلف على عرضها مع وضع المبررات التي تظهر سبب ما صدر عنه من أفعال أو أقوال.

ويبقى ابن خلدون من أشهر من كتب في هذا المجال الأدبي.

• التعبير عن المشاعر والانفعالات:

وهي من أنواع أدب السيرة الذاتية التي تظهر كصورة من صور التعبير عن انفعالات الإنسان ومشاعره، ومن أبرز الأمثلة عليها كتاب “الإمتاع والمؤانسة” لأبو حيان التوحيدي.

• عرض الحياة المثالية:

يكون الغرض من كتابة هذه الفئة من السيرة الذاتية عرض حياة بعض الأشخاص المثاليين، لتكون حياتهم بمثابة دافع يتعلم الآخرون منه، وليكونوا كقدوة يحتذى بها من الآخرين.

• عرض الذكريات:

من الدوافع الأساسية لكتابة السيرة الذاتية استرجاع الذكريات، فتكون السيرة هنا على هيئة مذكرات، وهو ما يمكن رؤيته في كتاب “طوق الحمامة في الألفة والألاف” الذي عرض ابن حزم من خلاله أهم الذكريات في مرحلة شبابه.

أنواع أدب السيرة الذاتية:

إن أدب السيرة الذاتية يقسم إلى نوعين رئيسيين، الأول هو السيرة الذاتية التي يروي فيها الكاتب سيرته الشخصية.

والنوع الثاني هو السيرة الغيرية التي يتناول فيها الكاتب سيرة شخص آخر، على أن يحصل على المعلومات الدقيقة عنه سواء من الشخص ذاته أو من المقربين منه.

أهم خصائص أدب السيرة الذاتية في العصر الحديث:

هناك العديد من الخصائص والشروط التي يجب الالتزام بها عند كتابة السيرة الذاتية بالعصر الحديث، ومن أهم هذه الخصائص نذكر ما يلي:

1. أن يكون للكتابة بناء واضح ومرسوم، وأن يعمل الكاتب على ترتيب الأحداث والمواقف بشكل سليم، ويعتمد في كتابته على صياغة أدبية محكمة.
2. الالتزام بالصراحة والصدق والأمانة، وأن يتم تصوير الماضي بشكل منطقي متجرد بعيد عن الميول والرغبات الشخصية.
3. محاولة إظهار الصراع الداخلي فهذه الامور تساعد على جذب القراء وزيادة تعاطفهم.
4. من المهم وجود دوافع لكتابة السيرة الذاتية، سواء أظهر الكاتب في كتابه هذه الدوافع أم لم يظهرها.
5. إن أدب السيرة الذاتية يتناول بشكل عام أحد الأشخاص الذين يتميزون في ناحية من نواحي الحياة.